At LeQsaR - Amar Ouali

At LeQsaR   -    Amar  Ouali

Chabba Mohamed

                 الشهيد محمد شابة

الشهيد محمد شابه – رحمه الله – من مواليد 1941 م بقرية عين بقرة.

اخو الشهيد مسعود – رحمه الله

اخو المسبل السجين – أعمر – رحمه الله.

اخو شبل الثورة التحريرية – قاسى – أطال الله في عمره.

نشا في قريته ككل أبناء عمومته نشأة اقل ما يمكن أن يقال عنها أنها شاقة ، حيث تولى الرعي في السادسة من العمر .

كان رحمه الله ذكي... حساس... شديد البغض والكراهية للمحتل

( في احد الأيام ، وعمره لا يتجاوز العاشرة ، كان في " أصرا المعرض " يبحث عن ثوريه ، فرأى حارس الغابة يخرج من مركزه ب "تيكرين " ممتطيا جواده ... متجها نحو " ثابورث اوشقوف " ، وقرر أن ينصب له كمينا ... اختار لذلك مكانا ضيقا ومنحدرا في منعرج شديد الانعراج ... اختبأ هناك بعد أن شكل من برنسه وعيدان خشبية جسما مخيفا ... بمجرد أن اطل الجواد رمى في وجهه ذلك الشكل ... قفز الجواد عاليا محاولا الاستدارة فسقط  متدحرجا لمسافة عشرة أمتار آو تزيد ... يوم ذاك نجا الحارس وجواده بأعجوبة ، لكنه أصيب برضوض كثيرة أقعدته عن مطاردة الرعاة مدة طويلة ، بذلك ارتاح السكان من الغرامات التي كان يلاحقهم بها كلما وجد مواشيهم ترعى في الغابة ... سُرّ محمد بذلك أيما سرور ... لحسن حظه أن الحارس لم يتعرف عليه ولم يعرف من أي قرية هو ... المكان كان يتوسط قرى عدة... ذلك العمل كان أول عمل فدائي مقاوم له ضد المحتل دون أن يعرف معنى للفداء او المقاومة ... في ذهنه شيء واحد لا غير .. الانتقام من هذا "الرومى" الذي أرهق كاهل السكان بالغرامات والضرائب المتنوعة التي كان يسال أباه كثيرا عن جدوى تسديدها كل عام ) .

في بداية الثورة ... مع بداية وفود طلائع جيش التحرير الوطني اختلط بهم .. بل التصق بهم ، يكاد لا يفارقهم ليلا ونهارا ... سمع منهم لغة جديدة لم يكن يسمع بها من قبل ( الثورة ... الثوار ... الجهاد ... المجاهدون... الحرية .... الاستقلال ... النضال ... التضحية ... الفداء ... الاستشهاد ... الشهداء ... العدو ... المحتل ... الاستعمار ... وغيرها ) سرعان ما استوعبها ، وفهم أن ثمة قضية مقدسة من اجلها يهون كل شيء ، مما جعله ينخرط في الأعمال الثورية مبكرا وعمره لا يتجاوز الثالثة عشرة عاما . كان - رحمه الله – متحمس... شديد الحماسة ...يشارك المسبلين في كل نشاطاتهم ، غايته وطموحه ورغبته أن يتجند في صفوف جيش التحرير الوطني ... كثيرا ما كان يطلب بإلحاح من قيادات جيش التحرير قبوله في صفوفهم ، لكنهم كانوا يرفضون له ذلك بحجة صغر سنه .

هذا كان قبل إخلاء عين بقرة وتهجير سكانها وتشتيتهم، أما بعد ذلك فقد ازداد إيمانه بالقضية المقدسة ...تضاعف نشاطه الثوري .          

 كثيرا ما كان يقضي عدة ليالي خارج البيت .. في الجبل مع المجاهدين فرقا وأفرادا ليدلهم على المسالك الآمنة ... ليساعدهم في حمل المؤونة آو السلاح والذخيرة ، أحيانا كان يستعمل بغل والده لذلك ... لكي يتفرغ لتلك الأعمال تخلى عن رعي الغنم ، فعوضه في ذلك آخوه الصغير " قاسى" ... قاسى المسكين كان حلمه أن يلتحق بالمدرسة حتى يتمكن من حل ألغاز تلك الخطوط المصفوفة إلى بعضها البعض في سطور متتابعة على ورق ابيض لكن الرياح جرت بما لا تشتهى السفن، فصار راعي الغنم ... أول يوم في حياته كراع كان في قرية أولاد عبد الله ؛ حين لاحت شاحنة "جيمسى" تتقدمها "كات / كات " قادمتان نحو القرية لتجميع الأطفال الذين هم في سن التمدرس بالقوة والذّهاب بهم إلى  

"ليكول" ، في عملية مضادة لأوامر جبهة التحرير بمقاطعة المدرسة الاستعمارية ...  طلب منه أخوه محمد الخروج من القرية قبل وصول الشاحنة.... تلكأ قاسى قليلا فبادره أخوه قائلا : يبدو انك تريد أن تلتحق بمدرستهم ... أخاف أن تكون عميلا ... خبيثا عندما تكبر .

هذه الكلمة آلمته كثيرا ،  لكنه صمت ولم يجب ... في الحقيقة ليس له من اللغة ما يمكّنه من مناقشة الموضوع معه ،والدفاع عن رغباته ؛ ولم يجد إلّا أن يبرهن له عمليا انه ليس خبيثا ، ولن يكون أبدا ، فاندفع مسرعا نحو الباب ... فتحه وساق النعاج إلى المرعى قائلا له : اليوم سأرعاها لوحدى... بل أنا من سيرعاها دائما بعد اليوم . هكذا صار المسكين راعيا  ، ونسي المدرسة .... بل تناساها  ، واْقلع عن الفكرة تماما  ... خاصة عندما التحق أخوه

بصفوف جيش التحرير إذ تحول الأمر عنده عهدا مقدسا ، ونكث العهد نقيصة ... بل خيانة ؛ رغم ذلك كان يحس بغيرة شديدة عندما يلتقي بأحد أترابه المنتسبين إلى المدرسة ... لقد أوفي بالعهد

إلي أن جاء الاستقلال ، فانتسب إلى المدرسة الجزائرية "الحبوس"

لكن الوقت كان قد فات ..تقدمت سنه وصار في الثالثة عشر من العمر.

تلك هي ظلال قرار جبهة التحرير الوطني بمقاطعة المدرسة الاستعمارية .. لا أدرى إن كان صحيحا أم خاطئا ؟ وماذا كانت

نتائجه ، وتداعياته على المدايين القريب والبعيد ؟

تلك هي احدي ظلال الشهيد محمد – رحمه الله – حول قاسى  .

وتلك هي ظلاله ليلة معركة قرية أولاد عبد الله ، حيث قررت فرقة من  جيش التحرير مهاجمة ثكنة ليكول ... أثناء المعركة بدأت قذائف المدافع تطلق من الثكنة، وكذا من ثكنة زريبة تنزل في محيط القرية... دب الخوف والهلع في نفوس السكان فخرجوا  يهيمون  عبر المسالك الغابية في كل الاتجاهات ... منهم من توجه نحو "تيقصراي" ، ومنهم من توجه نحو" إغزار ابلغوم " ... لم يبق في القرية إلا القلة القليلة من سكانها... تلك الليلة وضع محمد نفسه في مساعدة التائهين .. . قضاها متنقلا بين مسالك الغابة ... وهو يقوم بذلك وجد صبيا لا يتجاوز أربعة أشهر من عمره تخلي عنه والداه ، حمله ووضعه في صدره تحت ثيابه ومشى به إلي أن صادف مجموعة من فتيات تائهات لا يعرفن أين سيذهبن ...  عرض عليهن مساعدته على أن يعتنين بالصبي الذي لا يعرف والديه، فوافقن مسرورات...رافقهن عبر مسالك غابية إلي أن وصل بهن إلي "إغزار ابلغوم" فطرق باب إحدى الدور ، بالصدفة كان صاحب الدار قريبه من المهجرين من عين بقرة ، سلم عليه واخبره بما حدث في القرية ، ثم ودع وقفل عائدا لمواصلة مهامه بعد أن أوصاه بالبنات خيرا– كل ذلك وظله  "أخوه قاسى" معه - ... بعد يومين عاد رفقة ظله متسللا إلي القرية ، فجمع بعض أغراض أسرته ( أغطية –أفرشة – بعض المواد الغذائية ) ... عباْها علي بغلة ، ولمّ ما بقي من قطيع الغنم – مصدرا لدخل الوحيد للأسرة – ولحق به أسرته في "إغزار ابلغوم" ... هناك تضاعف نشاطه الثوري ... إليه يرجع الفضل في اكتشاف شبكة العملاء الذين زرعهم "لاصاص" في أوساط الشعب لمراقبة نشاطات الثوار والإبلاغ عنها ، طبعا اعدم جيش التحرير بعضهم بعدما تأكد من عمالتهم ... هذه العملية كانت سببا مباشرا في إخلاء القرية وتهجير سكانها ، مع الحرص على تجميع ذوى المنخرطين في جيش التحرير في قرية "اغيل لمحلة " حتى أنها ضاقت بهم ، مما جعل الجيش الفرنسي ينصب لبعضهم خياما ، وأسرة محمد منهم ... هناك سلّطت عليهم عيون العملاء العلنية والخفية التي ازداد عددها، فكانت الرقابة شديدة ... لصيقة لأربع وعشرين ساعة ... بذلك ضاقت مساحة الحركة ... بلغ الطوق حد الخناق ، خاصة حول محمد إذ سلّطوا عليه الأعمال الشاقة من الصباح الباكر لغاية غروب الشمس دون استراحة حتى لتناول وجبة الغذاء ، ذلك إما في ثكنة "بوجحبوض" آو في ورشة مشروع بناء حيا "للحركي" ، هذا العمل الشاق كان بدون مقابل يسمونه " اًكُرْفى " الذي مس حتى تلك البغلة المسكينة التي تُشغّل طول النّهار، وتعود في المساء لتُربط هناك في العراء للبرد والجوع ، تنتظر إحسان من يضع لها بقية تبن عفن تسكت به جوعها ؛ وغرضهم هو الضغط عليه لعله يفشل وييأس ويدخل في صفهم كغيره من ضعاف الشخصية والإرادة ، لكن ذلك لم يزده إلا عنادا وإصرارا على مواصلة درب الكفاح ضد العدو.. في ذهنه هدف واحد لا غير - الاستقلال، فالاستقلال، ودونه الاستشهاد - وراح يخطط لعملية يثبت بها جدارته علي قبوله في صفوف جيش التحرير ؛ وهي أن يستولي على قطعة سلاح من احد العملاء الذي يسكن خارج القرية ببضعة مئات الأمتار ، حيث يعترض طريقه في مكان بعينه ، ويعاجله بضربة قوية تفقده وعيه ، فيستولى علي سلاحه بسهولة ، ويلتحق بالجبل ؛ لكن العملية فشلت لأنه ارتكب خطأ مميتا حين أبلغ بعض رفاقه في "أكُرْفي" بعد أن وعدوه بمرافقته إلي الجبل ،  إلّا أن أحدهم أراد أن يكسب ثقة العميل إياه  فابلغه القصة ...

في الصباح الباكر والطبيعة كأنها ثلّاجة ، جليدها جمد كل السوائل خارج البيوت وداخلها ... محمد مع إخوته الستة وأبيه وزوجة أبيه

كانوا نائمين داخل خيمة صغيرة لا تسع أكثر من أربعة أشخاص ، وهي عبارة عن قطعة قماش من "باش" تزيد البرد برودة ، فائدتها أنها تمنع دخول المطر من الأعلى لكنها لا تمنع تسربه من الأسفل ... من الأرضية الترابية ... بداخلها تكدّس تسعة أفراد متلاصقين ببعضهم ... كلٌّ منهم يلتمس من جسد أخيه شيئا من الدفء ... البرد الشديد مع قلّة الفراش والغطاء ... بل انعدامهما  .

هم والحال كذلك فإذا بالعميل إيّاه يفتح باب الخيمة من الخارج وهو يصرخ... يزمجر كالثور الهائج ... استفاق محمد ووالديه ..... نهض إخوته الصغار خائفين .. .. مذعورين وراحوا يبكون ويصرخون من شدة الفزع ... في أقل من دقيقة كان العميل واقفا عند الباب والبندقيّة بين يديه ، مسدّدا إيّاها نحو الداخل وسبابة يمناه علي الزناد وقال موجها كلامه لمحمد : أيّها الكلب ... أيّها الفلاقي اللعين ... اليوم يومك ... سأريح الناس من شرورك ... هيّا اخرج ... ابتعد عن الصغار قبل أن اقضي عليكم جميعا ... فهم الصغار أن أخاهم هو المطلوب ... سيقتله لا محالة ...إنّه الموت المؤكّد ... دونما شعور وتلقائيا وجدوا أنفسهم يرتمون عليه في محاولة لحمايته بأجسادهم الصغيرة النحيلة  . في الوقت نفسه كان أبوهم واقفا بين فوهة البندقية وأبنائه وهو يتوسّل ... يتشفّع عنده بالله ... بالرسول... بكل الأنبياء ...بكل الأولياء الصالحين، فما كان من العميل إلّا أن دفعه بقوة فسقط المسكين علي أبنائه      ( كان قد تجاوز الخمسين من العمر ومعاق من يده ) . حينها تولت زوجته  التوسل ... حاولت المسكينة تقبيل يده فصفعها بظهر كفّه ... جثت علي ركبتيها محاولة  تقبيل قدميه فركلها ...كررت المحاولة مرّات عدة ، في كل مرة تنال منه ركلا ... أخيرا تمكّنت من احدي قدميه وراحت تقبلها باكية متوسلة ... وهو يحاول أن يتخلص منها ... ابتعد عن الباب بضعة أمتار دون أن ينسي السب والشتم والكلام البذيء الذي يخجل المرء من ذكره حتى لو كان في غابة لوحده ... خرج الجيران كلّهم كبارا وصغارا ، نساء ورجالا  يشاهدون وينتظرون الأسوأ ... هناك في أعلي قمة تلّة قرب حارة العميل شيخ طاعن في السن ينادي قريبه "العميل إيّاه " ويحذّره من مغبّة الدخول في المشاكل مع الفلّاقة قائلا له : اتركهم هداك الله ... ابتعد عن شرورهم ... هؤلاء هدّوا بيوتهم وسيهدّون بيوتنا اترك أمرهم لعساكر فرنسا ... في الوقت ذاته حضر عميل آخر فقال له : ماذا تنوي فعله ؟ هل فقدت عقلك ؟ أتعتقد أن الفلّاقة سيتركونك حيّا بعده ؟ اترك أمره  ل"لاجودان دورا" – قائد ثكنة "بوجيحبوض" – وما أدراك ما "لاجودان دورا "– صاحب الكلب الأسود  من نوع "بيرجي ألما " .

بدا العميل كأنه تأثر بكلام زميله فهدأ قليلا وقال موجها كلامه لمحمد : هيا سرّ ج البغل واذهب لجلب الماء ، بعد  ذلك ستري ما ينتظرك ( ذلك كان خطأ ارتكبه العميل، وكان فرصة ذهبية لمحمد كي ينجو من الموت المؤكد ، وكأن العناية الإلهية هي التي تدخلت ووجهت الأحداث إلي غير ما يرغب العميل ) ...

بسرعة البرق سرّج محمد البغل ... وضع علي ظهره برميلين ...  دقائق معدودات كان في العين ... العين ليست بعيدة ... مسافة أربع آو خمس مئة متر فقط  ... هناك ترك البغل وأكمل طريقه راكضا كالحصان الجامح ... قبل أن يتفطن له العملاء كانت غابة "تي بن دعماش" قد ابتلعته واختفي عن الأنظار تماما .

مرة أخري عاد العميل إيّاه إلي رغائه وهديره ونباحه كالكلب المسعور ، طالبا من والد محمد أن يأتي بالبغل ... ذهب الشيخ طائعا ، وقبل أن يصل إلي العين تسارعت خطواته  منحرفا في مسلك آخر ... لقد فعل ما فعله نجله إلّا أنّه لم يقو علي الركض مثله ، ثم أن العميل رفقة البعض من أمثاله كان يراقب الوضع عن كثب ، فبمجرّد أن لاحظوا انحرافه هبوا يركضون خلفه وهم يطلقون عليه الرصاص ... في إحدى الشعاب القريبة اختبأ الشيخ محتميا بإحدى الشجيرات ... سرعان ما أحاط به العملاء والقوا عليه القبض ، فنزلوا عليه لكما وركلا  وبأعقاب البنادق، ناهيك عن السب والشتم والإهانات ، ثم كبلوه بعمامته واقتادوه إلي ثكنة

"بو جحبوض"  .... هناك سلّطت عليه كل أنواع العذاب تحت إشراف "لا جودان دورا " رفقة كلبه الأسود ، بعد أسابيع نقل إلي ثكنة أزريبة ، ومكث هناك سجينا مدة ثلاثة أو أربعة أشهر وأُطلق سراحه بوساطة  زوج ابنة أخته  – شهاب شريف – الذي كان ضابطا في صفوف جيش "بلونيس" ، وقد نزل حديثا من الجبل بعد فشل حركته ، واختار أن يبقي مدنيا محايدا  رغم الإغراءات التي عرضت عليه ...كلمته كانت مسموعة عند الجيش الفرنسي (ربما كان ذلك للمحافظة علي حياديته أولاتّفاق بينهم وبين حركته)    ممّا أهله كي يمنع ظلم العملاء علي عائلات المجاهدين والشهداء في ذلك المحتشد الجهنمي – اغيل المحنة – كما عمل علي تحصيل رخص العودة إلي قرية أولاد عبد الله لكثير من الأسر الراغبة في ذلك ، أما هو فلم تدم إقامته هناك كثيرا حيث  رحل إلي مدينة قسمطينة رفقة زوجته ،وعاش هناك وفيا لحركته ..حتى بعد الاستقلال لم يتخل عن مبدئه إلي أن وافته المنية في التسعينات

رحمه الله .   

أمّا محمد فقد اتّجه إلي "تيقصراي " ... هناك اتصل بجيش التحرير ...  قصّ لهم حكايته إلّا أنهم لم يقتنعوا ... طالبوه بالعودة إلي البيت ... حاولوا إقناعه بذلك ... قالوا له أنت صغير السن لا يمكن أن تتحمل حياة الجبل الشاقة والخطيرة ، والحقيقة أنهم كانوا متحفظين خاصة أن حادثة جماعة  "ليبلو " لم يمر عليها وقت طويل ،لاشك أنهم استفادوا منها ، واستخلصوا دروسا قيمة ، ووضعوا شروطا ومقاييس دقيقة في من ينخرط في صفوف جيش التحرير وهي لم تتوفر فيه ... لكن أمام إلحاحه الشديد وإصراره الذي  لا يقبل التراجع تدخل المجاهد "عمّار عزيري" فقال للقيادة : الطفل اعرفه واعرف عائلته جيدا وأخوه جنديّ في صفوفنا ، أرى انه صادق ،ثم  إن أعدتموه إلي البيت سيقتلونه لا محالة ، لذلك اقترح قبوله وعلي ضمانتي ... هكذا انخرط محمد في صفوف جيش التحرير الوطني ... هكذا انتقل من المرحلة المدنية إلي المرحلة العسكرية ... من السريّة إلي العلنية... من الصعوبة والخطورة إلي الأصعب والأخطر... من يوميات مسبل يبيت في بيته ... بين أبنائه... وفي حضن أسرته ، إلي يوميات مجاهد في أعالي الجبال وأغوار الكهوف...في أعماق الغابات والأحراش                                                                    

والأدغال...بين التلال والشعاب  والوديان ... هناك لا غطاء ولا فراش ولا راحة ... قد ينام ساعة متوسّدا حجرا أو شجيرةً،ويُحرم منه لأيّام وأيام ... قد يحصل يوما علي قطعة كسرة يابسة، ولا يجدها لأيام وأيام... قد يتقطع حذاؤه فلا يجد بدله، ويضطر إلي المشي حافيا لأيام وأيام... قد يتمزق سرواله فلا يجد بدله، ويضطر إلي المشي عاريا لأيام وأيام... أمّا الغسل "الدوش" فقد تكفّلت به السماء حين تجود بإمطارها ... قد يحظي يوما بلقاء قريب عزيز فيعرف منه أحوال وظروف أسرته وأبنائه وأحبائه ، ويحرم من ذلك لأيام وأيام ،وربما لسنوات ... قد تنفذ ذخيرة بندقيته فتتحول مجرد عصا ... عبئا اضافيا بلا فائدة ... قد يصاب بشظية أو برصاصة حارقة خارقة فلا يجد طبيبا يكشف عنه ولا دواء يخفف ألمه .... قد يؤسر في معركة ضارية – وهو ما لا يتمناه -  فينال علي يد الجلادين من الويلات ما لا يخطر علي بال. 

قد يسقط شهيدا فلا يجد من يواريه التراب، ويصبح جثمانه الطاهر وليمة للضباع والذئاب والغربان... قد ..وقد .. وقد .

تلك هي يوميات مجاهد علي مدار السنة بفصولها الأربعة ، وأيامها الثلاث مئة والخمسة والستين ، بكل أحوالها المناخية ،

ولسنوات عدة ... كل يوم منها يعادل سنة ، وكل شهر يعادل عشرات السنين ، وكل سنة تعادل قرنا ... كل يوم بقصة مروعة .

قصص الواحد منهم تختلف عن قصص الآخرين من رفاقه. ..

كل ذلك والموت  المحمول علي الطائرة الحمراء او بي 25 ... الموت المحشو في فوهة مدفع دبابة، أو مدفع ميدان، أو في أفواه البنادق والرشاشات المتنوعة... الموت  المدسوس في جوف الألغام المزروعة في كل مكان  يسعي حثيثا لتقبيله .. . يتربص به في كل آن وحين ... في كل مكان ...في كل الوضعيات

تلك هي يوميات مجاهد ، سرعان ما تأقلم معها محمد ذو سبعة عشر ربيعا ، وبرهن عمليا في الميدان علي شجاعته وإقدامه بشهادة رفاقه في السلاح ( السعيد اوشكوح – موسي أشاوي – قاسي بوتمر – السعدي كفيل – العربي منهوج – احمد ميديني – عمار عزيري – حموش ميديني – وغيرهم ).


20/07/2014
0 Poster un commentaire

A découvrir aussi


Inscrivez-vous au site

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 58 autres membres